اكتشاف المعتقدات الخاطئة والتحرر منها

اكتشاف المعتقدات وزيادة الوعي بها

كيفية اكتشاف المعتقدات المعيقة والتخلص منها
المعتقدات الشخصية

إن السبب الرئيسي لفشلنا أو نجاحنا هو معتقداتنا وأفكارنا، إنها القوة غير المرئية التي تشكل حياتنا، حيث تعتمد جودة الحياة التي نعيشها على المعتقدات التي نحملها.

معتقداتك هي جوهر من أنت، فهي تؤثر على كل جانب من جوانب حياتك بما في ذلك توقعاتك وتصوراتك للواقع وتؤثر أيضًا على مستوى ذكائك وعلى القرارات المصيرية التي تتخذها في حياتك.

الشيء الخطير الذي قد لا تدركه هو أنك تصنع واقعك الخاص من خلال ما تعتقده، وهذا يحبسك في عالم قائم على الإدراك وليس على الحقائق. معظم معتقداتنا هي تعميمات حول ماضينا، بناءً على تفسيراتنا للتجارب المؤلمة والممتعة. وغالبًا ما نكون غير مدركين لما نؤمن به وكيف تؤثر هذه المعتقدات على أفعالنا. يمكن لمعتقداتنا المقيدة والمعيقة أن تجعلنا نفقد الأشياء التي نريدها أكثر من غيرها، ويمكن لمعتقداتنا التمكينية السليمة أن تدفعنا نحو الحياة التي نريد أن نعيشها.

في هذا المقال، سنتحدث عن المعتقدات الأساسية كيف تنشأ؟ وما مدى قوة تأثيرها على حياتنا؟ وعن كيفية اكتشاف المعتقدات الخاطئة والتحرر منها.

ما هي المعتقدات وكيف تتكون

المعتقدات هي تصورات وافتراضات تؤمن بها عن ذاتك وعن العالم من حولك مبنية على تجارب سابقة وذكريات قديمة. من خلال التفاعل مع الناس والأحداث والظروف، فإننا نبني بفعالية أسس أنظمة معتقداتنا الموجودة في العقل الباطن (اللاوعي)، وبالتالي، فإن أنظمة المعتقدات هذه عبارة عن أوامر نفسية للجهاز العصبي الذي يشكل أفكارك ويصف تجربتك مع الواقع. وهذه الأوامر هي التي تؤثر على سلوكياتك وردود أفعالك.

قد تعتقد بأن أحداث الحياة هي من تشكل حياتك ولكن هذا غير صحيح؛ لأن معتقداتنا بشأن ما تعنيه تلك الأحداث هي من تقوم بذلك.

المعتقدات هي في الأساس افتراضات نتخذها عن أنفسنا وعن الآخرين وعن الكيفية التي نتوقع بها أن تكون الأشياء في عالمنا. لدينا كل هذه النظريات والأفكار والتفسيرات حول كيف تكون الأشياء وكيف يجب أن تكون.

كيف تنشأ المعتقدات

الاعتقاد هو الشعور باليقين حول معنى شيء ما. حيث تُنشئ معتقداتنا الخرائط الذهنية التي ترشدنا نحو أهدافنا وتمنحنا القدرة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة الحياة. ولكن الشيء الخطير هو أن هناك معتقدات خاطئة تم اكتسابها تحت تأثير مرشحات الإدراك الحسي والعديد من القوى الداخلية والخارجية التي تؤثر على مدى صحة معتقداتنا، بالتالي تؤثر بشكل سلبي على حياتنا، ولكي نكتشف تلك المعتقدات الخاطئة والمعيقة يجب علينا أولًا أن نفهم كيف تتكون معتقداتنا.

منذ يوم ولادتنا، يؤثر آباؤنا و ثقافتنا وبيئتنا بشكل كبير على تفكيرنا ومعتقداتنا. السنوات السبع الأولى من حياة المرء هي الأكثر أهمية. في هذه السنوات يتشكل نظام المعتقدات الذي يخلق الإدراك والعواطف والقيم والعادات وردود أفعالنا تجاه المحفزات.

بعد 7 سنوات من العمر تتم إعادة برمجة العقل الباطن من خلال تجارب الحياة، حيث نقوم بجمع الحقائق والأدلة والمراجع التي تساعدنا على تكوين فكرة عن الحياة وعن الواقع المحيط بنا. وبمرور الوقت، فإننا نقوم ببناء المزيد من التصورات والمراجع، والأنظمة وذلك من خلال استخدام الخيال، والمعرفة التي نكتسبها، والعلاقات والتجارب الشخصية التي نقوم بها.

تساعدك هذه المراجع على تكوين أفكار حول الأشياء. في النهاية، تتحول بعض هذه الأفكار إلى آراء يدعمها قدر أكبر من اليقين.

أثناء التمسك بهذه الآراء، لا تزال مرنًا تمامًا عندما يتعلق الأمر بتوقعاتك. ولكن من خلال عملية التفكير المتكرر والتصرف في هذه الأشياء في الحياة الواقعية، فإن آرائك تتوطد وتتحول في النهاية إلى معتقدات. لا تزال هذه المعتقدات مرنة في المراحل المبكرة، ولكن مع مرور الوقت واستمرار جمع المزيد من التصورات والمراجع التي تدعم معتقداتنا، فإنها تزداد قوة، واستقرارًا. وبمرور الوقت، تصل إلى مرحلة معينة في تطور كل معتقد حيث يصبح متأصلًا بعمق في النظام العصبي للعقل الباطن، بحيث يصبح من الصعب جدًا تغيير معتقداتك وتوقعاتك بعد الآن، حتى لو كانت هناك مجموعة من الأدلة المتناقضة والحقائق التي تثبت خلاف ذلك. وهذه هي المرحلة التي يتحول فيها الاعتقاد إلى قناعة.

كيف تقودنا معتقداتنا وتؤثر على سلوكياتنا

أثبتت العديد من الدراسات التي قام بها علماء النفس أن نسبة كبيرة جدًا من مشاعرنا وأفكارنا وقراراتنا المصيرية تستند إلى القناعات الذهنية والمعتقدات الموجودة في العقل الباطن

حيث وجد أن عقلنا الباطن مسؤول بنسبة 95٪ عن كيفية استجابتنا للبيئة الخارجية، التي تستقبل منها حواسنا الخمس المحفزات. فهو يعمل بطرق لا إرادية؛ حيث يقوم بأرشفة ما يَمر به الشخص من ذكريات، ومشاعر، ومواقف، وأحاسيس ليتم تخزينها تلقائيًّا، حيث تتشكل من خلال تلك الأرشفة المعتقدات، والمخاوف، والقناعات الذهنية التي لها دور كبير جدًا في التأثير على سلوك الشخص، وردود أفعاله، وطريقة اتخاذه لقراراته، وعلى طريقة إدراكه للواقع المحيط به.

من خلال علاقاتنا العاطفية بالناس والأحداث والظروف فإننا نبني بفعالية أسس أنظمة معتقداتنا التي تصبح بمثابة قواعد أو أوامر نفسية للجهاز العصبي الذي يشكل أفكارنا وما نعتقده حول تجاربنا الشخصية. هذه الأوامر تؤثر بشكل كبير جدًا على سلوكياتنا وردود أفعالنا، وعلى كل جانب من جوانب حياتنا.

كثير من الناس لا يدركون أن كل فكرة تطرأ على عقولهم ليست صحيحة، ولا يمكنهم فك رموز المعتقدات الحقيقية من المعتقدات الخاطئة.

قد يؤدي عدم القدرة على التمييز بين المعتقدات المعيقة أو الخاطئة والمعتقدات الحقيقية السليمة إلى مشاعر مؤلمة، حيث تحدد معتقداتك ما تشعر به حيال نفسك، والآخرين، وكيف تشعر حيال أحداث وظروف حياتك. يعد فهم كيفية تأثير معتقداتك على مشاعرك أمرًا أساسيًا لأن المعتقدات الخاطئة تشوه غالبًا ما هو حقيقي وتقدم لك بدلًا من ذلك نظرة خاطئة للواقع لا توجد إلا في خيالك.

ومع ذلك، فإن وجهة نظرك للواقع تصبح معيبة و مشوهة وغير حقيقية. لأنك تفتقد إلى العناصر الأساسية، وبالتالي بغض النظر عن القرار الذي سوف تتخذه، فإنك ستفشل في تحقيق النتائج التي ترغب في تحقيقها.

تؤثر معتقداتك بشكل أساسي على القرارات والإجراءات التي تتخذها. إنها تشكل أسس مفهومك الذاتي، الذي يحدد الكيفية التي ترى بها نفسك والعالم من حولك. التسميات التي تطلقها على نفسك، والقيود والمخاوف التي تخشى حدوثها، والتوقعات التي لديك عن نفسك كلها مبنية على أنظمة معتقداتك. وإذا كانت أنظمة معتقداتك لا تتماشى مع الأهداف والغايات التي ترغب في تحقيقها، فإنك ستشعر بالعجز وعدم الكفاءة وفقدان الثقة بالنفس.

طرق وأساليب اكتشاف المعتقدات الذاتية المعيقة والتخلص منها

قبل البدء في استكشاف المعتقدات المعيقة والخاطئة، يجب أن يدرك الشخص أن عالمه الداخلي لا يقل أهمية عن عالمه الخارجي.

صحيح بأن العالم الخارجي الذي يحيط بنا وثيق الصلة بتطور الشخص ورضاه في الحياة، ولكن التركيز على عالم المرء الداخلي له نفس القدر من الأهمية، إن لم يكن أكثر من ذلك. العالم الداخلي هو المكان الذي يتم فيه إنشاء المعتقدات من قبل العقل الباطن للمرء بوتيرة سريعة.

دون النظر إلى الداخل لملاحظة كيف تتحول أفكارنا إلى معتقدات خاطئة، فإننا بذلك نسمح لها بالمساهمة في حالات العقل الضارة والمشاعر السلبية. ينتج عن هذا عادة الشعور بالتعاسة والضيق والقلق دون معرفة السبب.

فيما يلي أهم الطرق والأساليب التي ستمكنك من إعادة برمجة عقلك الباطن وفهم معتقداتك الذاتية المعيقة والتخلص منها وهي:

1- اليقظة الذهنية

يقدم علم النفس الإيجابي طرقًا عملية تساعدنا على التشكيك في المعتقدات الخاطئة وكشفها. إحدى هذه الأساليب هي اليقظة الذهنية التي تعتبر أحد أعمدة علم النفس الإيجابي.

اليقظة لا تعني التأمل فقط. وفقًا لما حدده خبير اليقظة "جون كابات زين"، فإن اليقظة الذهنية تهتم بالوعي لحظة بلحظة، بأفكارك، ومشاعرك وأحاسيسك الجسدية والبيئة المحيطة، بمراقبة دقيقة دون تفسير أو حكم.

ممارسة اليقظة الذهنية تمكننا من التعرف على أفكارنا وعواطفنا. وتسمح لنا بمعرفة القصص والسيناريوهات الخاطئة التي غالبًا ما تخلقها عقولنا، بدلًا من استيعابها كجزء من هويتنا.

عندما تبدأ في ملاحظة هذه الأفكار ومعرفة كيف يولد العقل المعتقدات، يمكنك عندها تحديد المعتقدات الحقيقية والخاطئة.

لقد ثبت علميًا أن ممارسة اليقظة الذهنية تزيد من عدد المشاعر الإيجابية التي يمر بها الناس. ونظرًا لأن العواطف مرتبطة بالمعتقدات، والمعتقدات مرتبطة بالأفكار، فمن المهم جدًا أن تأخذ الوقت الكافي لمراقبة أفكارك. 

2- التخيل

يعتبر التخيل أحد أبرز الطرق القوية التي تؤثر بشكل كبير جدًا على العقل الباطن وتساعد على إعادة برمجته وبناء معتقدات جديدة، الخيال والتصور عبارة عن أسلوب يتضمن التركيز على الصور الذهنية الإيجابية من أجل تحقيق هدف معين. إنها القدرة على تخيل شيء ما بوضوح - رؤيته في عين العقل - قبل وجوده على أرض الواقع المادي.

3- التأكيدات

تعتبر التأكيدات طريقة فعالة جدًا لغرس الرسائل الإيجابية في العقل الباطن. إنها واحدة من أكثر الطرق فعالية لتغيير معتقد محدود أو سلبي. يؤدي تكرار التأكيد إلى تغيير المسارات العصبية في الدماغ بمرور الوقت لإنتاج اعتقاد جديد.

4- التأمل

يلعب التأمل دورًا حيويًا في إعادة برمجة العقل الباطن لأنه يساعد على ثبات العقل. في هذه الحالة، يصبح عقلك أكثر تقبلًا، حيث يصبح أرضًا خصبة لكل ما تريد غرسة في العقل.

5- الحديث الذاتي الإيجابي

ربما يكون أقوى تأثير على سلوكك وعواطفك هو ما تقوله لنفسك وتؤمن به. من خلال إدارة حديثك الذاتي بشكل فعال، يمكنك البدء في عيش حياتك على مستوى أعلى وإنشاء الحياة التي تريدها وتستحقها حقًا.

6- الامتنان

يعتبر الامتنان أحد أفضل الطرق التي يمكنك من خلالها تغيير نظام معتقداتك وإدخال معلومات جديدة إلى عقلك.

عندما تكون ممتنًا لكل ما لديك فإن ذلك يولد لديك الشعور بالرضا، والكفاءة في جذب ما ترغب فيه والقضاء على ما يتعارض مع رغباتك.

7- العلاج السلوكي المعرفي

العلاج السلوكي المعرفي هو تدخل نفسي اجتماعي يهدف إلى تحسين الصحة العقلية لدى الشخص ويركز على تحدي وتغيير التشوهات المعرفية غير المفيدة (مثل الأفكار والمعتقدات والمواقف) والسلوكيات، وتحسين التنظيم العاطفي وتطوير استراتيجيات المواجهة الشخصية التي تستهدف حل المشكلات الحالية.

يرتكز العلاج السلوكي المعرفي على فكرة أن الأفكار الداخلية - وليس البيئات الخارجية - تثير مشاعر الناس وسلوكياتهم

ينصب تركيز العلاج المعرفي السلوكي على تغيير طريقة تفكير الناس وتشكيل معتقداتهم، وليس تغيير البيئة الخارجية للأشخاص.

مشاركة WhatsApp

المنشورات ذات الصلة