مقالة العادة سلبيات وايجابيات

هل للعادة آثار إيجابية أم سلبية

مقالة جدلية حول سلبيات وإيجابيات العادة
سلبيات وايجابيات العادة مقالة جدلية

مقالة العادة سلبيات وإيجابيات

الأسئلة:

هل يصح القول أن العادة أداة متحجرة تفقد الإنسان إنسانيته؟ 

هل العادة سلوك أعمى؟ 

هل العادة تعيق التكيف؟ 

هل العادة أداة حياة أو موت؟ 

إذا كان السلوك التعودي يتميز بالآلية والرتابة، فهل ينفي هذا طابعه الإيجابي في تحقيق التكيف؟ 

طرح المشكلة:

يعد السلوك من الناحية النفسية ومن وجهة نظر علماء النفس استجابة تكيفية تهدف إلى تفاعل الإنسان مع محيطه الخارجي، والحقيقة أنه يمكن التمييز بين ما هو فطري غريزي وثابت، وبين ما هو مستحدث نتيجة تفاعل الإنسان مع بيئته الطبيعية أو الاجتماعية، فإذا علمنا أن العادة سلوك مكتسب آلي يتم بتكرار الفعل وأنها تؤثر في السلوك، فإن طبيعة هذا التأثير محط جدل فلسفي، حيث أثارت مسألة تأثير العادة على السلوك الجدل بين الفلاسفة، فهناك من أكد على الأثر الإيجابي للعادة، وهناك من اعتبر أن لها آثار سلبية فقط، وبالتالي فإن الإشكال المطروح: هل للعادة آثار ايجابية أم سلبية؟ هل العادة سلوك تكيف أم انحراف ؟

محاولة حل المشكلة:

الموقف الأول: "العادة سلوك تكيف"

يؤكد أنصار هذه الأطروحة أمثال: (آلان، مودسلي، فون ديرفيلت، دافيد هيوم) أن للعادة آثار إيجابية وأنها أداة للتكيف مع الوسط الخارجي، نذكر من هذه الايجابيات ما يلي: رغم غياب الوعي والإحساس الذي ينتج عن فعل العادة، إلا أنه يجلب مزايا لا يمكن إنكارها، فالعادة من هذا المنظور فعل إيجابي يوفر للإنسان الجهد الفكري والعضلي فيؤدي إلى السرعة في الإنجاز مع إتقان العمل مما ينعكس على الإنتاج، والفرق واضح في قيمة وكمية العمل عند شخصيين أحدهما متعود على العمل والآخر مبتدئ فيه.

كما أن العادة تُمكن صاحبها من إنجاز أكثر من عمل في وقت واحد، فالضارب على الآلة الراقمة يمكن أن يقوم بعمل فكري في الوقت الذي يكتب فيه، لأن فعل الكتابة آلي يخلو من الانتباه الذهني، فالعادة هي فن القيام بالفعل دون تفكير، وفي هذا المعنى قال مودسلي: "لو لم تكن العادة لكان في قيامنا بوضع ملابسنا وخلعها يستغرق نهارا كاملا"، فالعادة تجعل العمل سهلا ميسورا بعد أن كان في أوله جد صعب وشاق، فلولا العادة لما تعلم الطفل المشي والكتابة والقراءة... إلخ. 

ومن مزايا العادة أيضا أنها تمكننا من التكيف مع المواقف الجديدة، لذلك قيل: "العادة تصلح بيننا وبين كل شيء"، مثلا يستطيع الفرد النجاة من الغرق بفضل التعود على السباحة، كما يمكننا التأقلم والعيش في مكان يعج بالفوضى بعد أن كنا نعيش في جو هادئ، يقول ليبنتز: "إن العادة هي التي تجعلنا لا نأبه إلى جعجعة المطحنة أو ضجة الشلال إذا كنا أقمنا بالقرب منها مدة طويلة"، كما أنها تؤدي إلى إتقان العمل، فمن الطبيعي أن هضم الأفكار ومرونة الأعصاب تكون سببا قويا في جعل العمل سهلا وتكسب الشخص المهارة والخبرة والدقة والرشاقة، يقول آلان: "إن العادة تمنح الجسم الرشاقة والسيولة"، فمثلا لاعب كرة القدم يمكنه بسهولة ممارسة كرة السلة أو اليد. وفي ميدان البحث العلمي اكتساب بعض العادات النفسية المحضة يساعد على تطور المعارف، وتقدم حركة البحث العلمي، فالمنهجية التي يتعلمها الباحث توفر له الجهد والوقت، يقول بول ريكور: "ليست العادة فيما أفكر فيه بل فيما أفكر به"، وفي المجال النفسي والاجتماعي يمكن التعود على سلوكات إيجابية مثل ضبط النفس، وكظم الغيظ، وترابط الأفكار في الاستدلال، وتعلم الأخلاق الفاضلة، كخلق التضامن وحب الخير والكرم وهذا ما ذهب إليه "ليفي برويل" و "دوركايم" من أن جميع القيم هي عادات أخلاقية، يقول دافيد هيوم: "إن العادة هي المنشط القوي للحياة الاجتماعية"، كما أنها تيسر غرس المبادئ التربوية الحميدة في سن الطفولة فيكتسب المرء أكثر عادته بالتقليد والتلقين والتدريب، فتعلم عادة في الصغر من شأنه أن يحدث استعداد عاما لتعلم عادة أخرى مماثلة في الكبر، يقول دافيد هيوم: "العادة هي المرشد الأساسي في حياة الإنسان"، وملخص الأطروحة أن العادة تنعكس بشكل إيجابي على كامل أبعاد شخصية الإنسان، فهي تسهل العمل وتزيد من إتقانه، وتوفر الوقت، وتساعد الفرد على التأقلم والتكيف مع المحيط الخارجي، يقول فون ديرفليت: "إن الحركة الجديدة كما دلت التجارب ليست مجرد تجميع لحركات قديمة... إنها تحذف الحركات غير المجدية والزائدة فهي تنظيم تبعا لمهارات وإيقاعات أخرى".

النقد:

بناءً على ما تقدم فإن السلوك التعودي له قيمة إيجابية ودور فعال في تنمية القدرات العقلية والتعاون الاجتماعي، ويساهم في كسب فوائد مادية وحركات جديدة تساعد الفرد على أداء مهامه على أحسن وجه، لكن ما يعاب على هذا الموقف الآلية التي تجعل من الإنسان راكدا جامدا في بعض المواقف، وهذا انعكاس سلبي على طبيعة الإنسان التي تتميز بالحركة والحيوية والنشاط. 

الموقف الثاني: "العادة سلوك أعمى"

يتزعم هذا الموقف كل من (روسو، برودوم، بافلوف)، حيث يؤكدون أن السلطة التي تفرضها قوة العادة على الفرد تؤثر سلبا على سلوكه، مما يجعلنا نحكم أن العادة كلها سلبيات وأنها سلوك انحرافي. وبيان ذلك أن الآلية المجسدة في العادة تشل حركة التفكير وتقضي على روح الإرادة وروح الإبداع، كما أنها تعطل في الإنسان حركة البحث لأن الفرد وفيّ دائما لما يتعلمه واعتاد عليه، ولهذا قيل {من شب على شيء شاب عليه}، فسائق السيارة الذي تعود على قيادة السيارة من جهة اليمين يصعب عليه قيادتها من جهة اليسار، يقول في هذا الصدد بول غيوم: "إذا كنا نكرر نفس الفعل دوما فإننا لن نتعلم شيئا جديدا". ولأن الطبيعة البشرية تميل إلى الفعل السهل وتتجنب الأفعال الصعبة خوفا من الجهد وخطر الإبداع والتقدم وهكذا العادة تسدّ الطريق أمام الأفكار الجديدة، يقول كارل ياسبرس: "العلماء يفيدون العلم في النصف الأول من حياتهم ويضرون به في النصف الثاني من حياتهم".

وعلى المستوى الأخلاقي، فإن العادة تقضي على بعض الصفات الإنسانية، مثل أخلاق الشفقة والرحمة، كما هو حال المجرم المحترف لهذا الفعل لا يكترث لعواقب إجرامه وما تلحقه الجريمة من أضرار نفسية ومادية بضحاياه، وهذا لغياب الشعور والإحساس، وغياب الإحساس يعود إلى حتمية التكرار، يقول سولي برودوم: "إن جميع الذين تستولي عليهم قوة العادة يصبحون بوجوههم بشرا وبحركاتهم آلات"، فمثلا الطالب في مجال الطب عند رؤيته بادئ الأمر الدم أو الموتى يفزع وقد يُغشى عليه؛ ولكن مع مرور الوقت فإنه يتعود على هذه المظاهر ولا ينفعل لها، يقول روسو "العادة تقسي القلوب".

وعلى المستوى الاجتماعي تظهر العادة كوعاء يحفظ العادات ما كان صالحا منها وما كان غير ذلك، ومن هنا يصعب تغيير العادات البالية حتى ولو ثبت بطلانها بالحجة والبرهان، مثل محاربة الأساطير والخرافات وكعادة الأخذ بالثأر في معظم الدول العربية، ولهذا نصح بعض الفلاسفة بالتخلي عن اكتساب العادات.

يقول جون جاك روسو: "خير عادة للطفل ألا يألف أي عادة وأن لا يحمل على ذراع أكثر من أخرى وألا يتعود مدّ يده أكثر من الثانية، بل لابد من استعمال قواه". وتظهر سلبيات العادة في المجال الحيوي حيث يتعود البعض على استعمال أعضاء دون أخرى، فقد يؤدي هذا إلى تشوه جسمي لدى الإنسان، على سبيل المثال، استعمال النجار لـ كتفه الأيمن أكثر من كتفه الأيسر، وهذا التعود يتحول على حسب تعبير "أرسطو" إلى طبيعة ثانية يصعب التخلص منها، يقول أرسطو: "العادة تميت الإحساس"، ويقول أيضًا: "من فقد حاسة فقد علما". 

وعلى المستوى العقلي نجد أن الإنسان الذي تعود على اكتساب معارف يصعب عليه فكريا التخلص منها ويصبح مقيد بها، على سبيل المثال، اعتقاد القدماء أن الأرض مسطحة مستوية ولما صرح غاليلي أن الأرض كروية وليست مسطحة قام رجال الكنيسة بإعدامه؛ لأن شعارهم: "اعتقد ولا ننتقد"، فأصبح الإنسان مقيد في تفكيره وليس حرا، يقول كانط: "كلما ازدادت العادات عند الإنسان أصبح أقل حرية واستقلالية".

ويقول روسو: "من اكتسب عادة أصبح عبدا لها". وعلى المستوى النفسي نجد أن الرغبة والإرادة والشعور كلما كانت قوية كانت أكثر رسوخا. 

النقد: 

إن تصور حياة الفرد بدون عادة يعد ضربا من الخيال، فبالرغم من تصلب العادة أو ما يعرف بالروتين الذي يسد الطريق أمام الأفكار الجديدة، غير أن الأفعال التعودية عادة ما تكون ملائمة للقيام بعمل من الأعمال على أسرع وجه وأكمل صورة من حيث الاقتصاد في المجهود، فالعادة تكيف مكتسب لتحقيق التوافق بين الشخص ومطالب حياته المادية والمعنوية، فإذا كانت الإرادة تقتضيها المواقف الجديدة؛ فإن العادة ضرورة تقتضيها الإرادة.

التركيب:

إن سلبيات العادة لا يمكن لها أن تحجب كل مزاياها وإيجابياتها، وعلى الإنسان المثقف أن يبادر بالتمسك بالعادات الفاضلة والتخلي عن العادات السيئة وتسييرها وفق منهجية مرسومة، يقول مارك توين: "لا تستطيع التخلص من عادة برميها من النافذة، بل ينبغي جعلها تنزل السلم درجة درجة". وفي مقابل ذلك يجب على الفرد أن يدرك أن نتائج العادة مرتبطة بطريقة استعمالها والهدف منها، يقول رافسون: "العادة ميل لتحقيق غاية ما".

حل المشكلة: ما يمكن استنتاجه من مشكلة أثر العادة على السلوك هو أن الفرد لا يمكن أن نتصوره بدون سلوك تعودي، يقول أرسطو: "إن العادة طبيعة ثانية"، بل إن الذي لم يكتسب ولو عادة واحدة هو ذلك الجنين الذي لم يأتي بعد إلى هذا العالم، ولهذا وإن كنا ملزمين على اكتساب العادة التي تنفعنا وتساعدنا في حياتنا، لكن يجب علينا تجنب ما يقهرنا ويؤثر علينا سلبا في حياتنا، ومنه فإذا كنا ملزمين على اكتساب العادة فلنا القدرة على الممارسة المستمرة للعادات الحسنة، يقول شوفالي: "إن العادة هي أداة الحياة أو الموت حسب استخدام الفكر لها".

- ذات صلة: مقالة العادة والإرادة

مشاركة WhatsApp

المنشورات ذات الصلة