مقالة الرياضيات الكلاسيكية والمعاصرة

مقارنة بين الرياضيات الكلاسيكية والمعاصرة

مقالة الرياضيات الكلاسيكية والمعاصرة
الرياضيات الكلاسيكية والمعاصرة

مقالة مقارنة بين الرياضيات الكلاسيكية والمعاصرة

الموضوع: قارن بين الرياضيات الكلاسيكية والرياضيات المعاصرة.

أولًا: طرح المشكلة:

لقد تأسست الرياضيات كعلم نظري في الحضارة الإغريقية، وقد سارت على نمط واحد لم يحدث فيها تغييرات جذرية إلا مع بداية القرن 19م، حيث تبلورت عقلانية رياضية جديدة، كانت بوادرها مع ظهور ما يسمى بأزمة الأسس. هذا المسار التاريخي للتفكير الرياضي عادة يقسم إلى مرحلتين: ما يسمى بالرياضيات الكلاسيكية، وما يسمى بالرياضيات المعاصرة (العقلانية الرياضية الكلاسيكية / العقلانية الرياضية المعاصرة)، هذا التحديد يوحي لنا منذ الوهلة أن هناك تمايز بين المرحلتين، فما هي أوجه الاختلاف بينهما؟ ألا يمكن أن يخفي هذا الاختلاف مواطن التشابه بينهما؟ ومن ثمة كيف نتصور العلاقة الممكنة بين الرياضيات الكلاسيكية والرياضيات المعاصرة؟

ثانيًا: محاولة حل المشكلة:

1. مواطن الاختلاف:

  • من حيث الموضوع: كانت الرياضيات الكلاسيكية تعتبر علمًا له موضوع محدد هو الكم بنوعيه: الكم المنفصل وهو موضوع علم الحساب وعلم الجبر، والكم المتصل وهو موضوع علم الهندسة وعلم الميكانيكا، أما الرياضيات المعاصرة، فأدمجت بين الكم المتصل والكم المنفصل وأصبحت تعرف بمنهاجها أكثر مما تُعرف بموضوعها.
  • من حيث المبادئ: الرياضيات الكلاسيكية تُميز تمييزًا واضحًا بين مبادئ الرياضيات البديهيات، والمسلمات والتعريفات، فـ البديهية هي قضية داخلة في نسيج العقل تتصف بالبساطة والوضوح ما يجعلها بذاتها لا تحتاج إلى برهان، بل تدخل في عملية البرهنة، وهي فوق ذلك تتصف بالضرورة المنطقية أي أنها تفرض صدقها على جميع العقول، دون إمكان تصور نقيضها، وهي أفكار عامة تشترك فيها جميع العقول، أما المسلمات فهي نظرية غير مبرهنة يقترحها الرياضي فهي من وضعه (موضوعة) ويطلب منا التسليم بها مع وعد أنه سيقيم على أساسها البرهان، فهي قضية غامضة تحتاج إلى برهان، كما إنها لا تتصف بالضرورة المنطقية لأنه يمكن تصور غيرها، وهي فوق ذلك خاصة، فلكل علم مسلماته، بل لكل مفكر مسلماته في مختلف مجالات المعرفة. أما في الرياضيات المعاصرة لم يعد هناك تمييز بين مبادئ الرياضيات (انهيار فكرة البداهة) بل أدمج الرياضي المعاصر بينها دون تمييز فيما يسمى بالأكسيومات أو النسق الأكسيوماتيكي.
  • من حيث المنهج: منهج الرياضيات الكلاسيكية منهج استنتاجي يقوم على ثلاثة مبادئ هي ما يعرف بأسس البرهان الرياضي وهي: البديهيات، والمسلمات والتعريفات، الرياضي ليس حرًا في أن يفترض ما يشاء من فرضيات أو مسلمات أو أوليات، فهو يستنتج في حدود نسق إقليدس، بينما منهج الرياضيات المعاصرة منهج فرضي استنتاجي أو (أكسيوماتيكي)، حيث الرياضي حر في أن يفترض ما يشاء من أوليات بشرط المحافظة على البناء المنطقي لنسقه الرياضي. 
  • من حيث النتائج: اليقين في الرياضيات الكلاسيكية يقين مطلق لقيامه على فكرة البداهة، أما في الرياضيات المعاصرة فهو يقين نسبي مشروط بالانسجام بين النتيجة والمقدمات (المحافظة على البناء المنطقي للنسق)، ومن هنا لا وجود لهندسة أصدق من الأخرى بل كل هندسة صحيحة في حدود نسقها، والهندسة الإقليدية ليست أكثر صدقًا من الهندسات الأخرى، بل أكثر ملائمة لعقولنا لأنها أقرب للمجال الحسي.
  • إن العقلانية الرياضية الكلاسيكية هي عقلانية مغلقة، في حين أن العقلانية الرياضية المعاصرة هي عقلانية منفتحة تتجلى من خلالها خصوبة العقل الرياضي (تعدد الأنساق الرياضية).

2. أوجه التشابه:

  • کلاهما علم صوري مجرد يتعامل مع نسق من الرموز.
  • کلاهما يخضع لمبادئ العقل وعلى رأسها مبدأ الهوية (مبدأ الذاتية) ما يجعلهما في علاقة مع مبادئ المنطق؛ البرهنة في الرياضيات سواء أكانت كلاسيكية أو معاصرة قائمة على مبدأ الهوية وهو ما يضمن الانسجام بين الأوليات والنتائج.
  • كلاهما ينطلق من مبادئ أولية تشكل أسس العملية البرهانية (مبادئ البرهان الرياضي في الرياضيات الكلاسيكية والأوليات في الرياضيات المعاصرة).

3. طبيعة العلاقة:

العلاقة بينهما تأخذ صورة قطيعة معرفية بلغة الإبستمولوجي الفرنسي "غاستون باشلار"، فالرياضيات المعاصرة ليست تطويرًا أو استمرارًا للرياضيات الكلاسيكية، بدليل أننا نستطيع أن نفهم الرياضيات المعاصرة دون العودة إلى الرياضيات الكلاسيكية، لكنها من جهة أخرى هي توسيع لمفاهيمها (فكرة المكان مثلًا) دون أن تكذبها أو تصححها.

ثالثًا: حل المشكلة:

مما سبق نلاحظ أن هناك فعلًا مواطن تتمايز فيها العقلانية الرياضية المعاصرة عن العقلانية الرياضية الكلاسيكية، وهذا لا يمنع كما لاحظنا من وجود مواطن يتقاطعان عندها ومن ثمة علاقة تم تحديدها (قطيعة في صورة الاحتواء والتوسيع) ومع كل هذا تبقى الرياضيات هي لغة الدقة ولغة العلوم وهو ما عبر عنه قديمًا غاليلي بقوله: إن الطبيعة كتاب مفتوح لا يقرأه إلا من كان رياضيًا"، وهو قول يشهد بالمكانة التي تتميز بها الرياضيات من بين جميع العلوم. 

- ذات صلة: مقالة أصل المفاهيم الرياضية

اقرأ أيضًا: مقالة اليقين الرياضي

مشاركة WhatsApp

المنشورات ذات الصلة