هل تقدم العلم سيؤثر سلبًا على الفلسفة؟
العلم والفلسفة |
يعتقد البعض أن ميدان الفلسفة غير ميدان العلم، وذلك لأن الفلسفة تعالج مختلف الإشكاليات كالوجود والقيم بما في ذلك الحقائق الأولية، في حين أن العلم يعالج القضايا الواقعية المبنية على الاستقراء، هذا التباين هو ما أحدث قطيعة ابستمولوجية بين المعرفة الفلسفية والحقيقة العلمية، وهو ما جعل العلماء يختلفون حول طبيعة المعرفة الفلسفية بعد تقدم العلم وتطوره. فيما يلي مقالة جدلية حول العلم والفلسفة.
هل تقدم العلم سيعود سلبا على الفلسفة؟
طرح المشكلة: ما الذي يبرر وجود الفلسفة بعد أن استحوذ العلم على كل المواضيع؟ بعبارة أخرى، هل تقدم العلوم وانفصالها عن الفلسفة سوف يجعل منها جدلًا لا طائل منه؟
محاولة حل المشكلة:
الأطروحة: لا جدوى من الفلسفة بعد تطور العلم
- الموقف الأول: يذهب بعض الفلاسفة من أنصار النزعة العلمية من أمثال غوبلو، وأوغست كونت أنه لم يعد للمعرفة الفلسفية دور في الحياة الإنسانية خاصة بعد ظهور وتطور العلم في العصر الحديث.
- الحجة: الفلسفة بحث عبثي لا يصل إلى نتائج نهائية، حيث تتعدد فيه الإجابات المتناقضة، كما أن نظرتها الميتافيزيقية تبعدها عن الدقة والموضوعية التي يتصف بها الخطاب العلمي، وهذا ما جعل عالم الاجتماع والفيلسوف الاجتماعي أوغست كونت يعتبرها حالة من الحالات الثلاث التي حان للفكر البشري أن يتخلص منها حتى يؤسس للمرحلة الوضعية وهي المرحلة العلمية ذاتها، وهذا ما دفع الرياضي الفرنسي غوبلو إلى القول: "المعرفة التي ليست معرفة علمية، فهي ليست معرفة بل جهل".
- النقد والمناقشة: لكن نلاحظ أن طبيعة الفلسفة في حقيقتها تختلف عن طبيعة العلم، فلا يمكن قياس النشاط الفلسفي بمقياس علمي، ولا يمكن لنا أن نقارن بين المعرفتين. كما أن الفلسفة تقدمت بتقدم العلم، فالإنسان لم يكف عن التفلسف بل تحول من فلسفة إلى فلسفة أخرى.
نقيض الأطروحة: هناك من يبرر وجود الفلسفة رغم تطور العلم
- الموقف الثاني: يرى بعض الفلاسفة من أنصار الاتجاه الفلسفي من أمثال: ديكارت، و برغسون، و مارتن هيدغر، و كارل ياسبرس، أن العلم لا يمكن أن يحل محل الفلسفة فهي ضرورية.
- الحجة: لا يمكن للعلم أن يحل محل الفلسفة لأن الفلسفة تجيب عن تساؤلات لا يُجيب عنها العلم. في هذا السياق نجد أن الفيلسوف كارل ياسبرس ينفي أن تُصبح الفلسفة علمًا؛ لأنه يعتبر بأن العلم يهتم بالدراسات المتخصصة لأجزاء محددة من الوجود مثل المادة الحية والمادة الجامدة ... إلخ، بينما الفلسفة تهتم بمسألة الوجود ككل، وهو نفس الموقف الذي نجده عند الفيلسوف هيدغر الذي يرى أن الفلسفة موضوع مترامي الأطراف. أما الفيلسوف هنري برجسون فإنه يرى أن العلوم نسبية نفعية في جوهرها، بينما الفلسفة تتعدى هذه الاعتبارات الخارجية للبحث عن المعرفة المطلقة للأشياء، أي الأشياء في حد ذاتها. وقبل هذا وذاك كان ديكارت قد أكد على هذا الدور للفلسفة بل ربط مقياس تحضر أي أمة من الأمم بمدى قدرة أناسها على التفلسف.
- النقد والمناقشة: لكن استمرار الفلسفة في طرح مسائل مجردة لا تُيسر حياة الإنسان مثلما يفعل العلم يُفقدها قيمتها، ومكانتها، وضرورتها. فحاجة الإنسان إلى الفلسفة مرتبطة بمدى معالجتها لمشاكله وهمومه اليومية.
التركيب: لكل من الفلسفة والعلم خصوصيات مميزة.
لا ينبغي للإنسان أن يثق في قدرة العلم على حل كل مشاكله والإجابة عن كل الأسئلة التي يطرحها وبالتالي يتخلى عن الفلسفة، كما لا ينبغي له أن ينظر إلى العلم نظرة عجز وقصور عن فهم وتفسير الوجود الشامل، بل ينبغي للإنسان أن يتمسك بالفلسفة والعلم معًا؛ لأن لكل منهما خصوصيات تميزه عن الأخر من حيث الموضوع، والمنهج، والهدف. في هذا الصدد يقول المفكر لوي ألتوسير: "لكي تولد الفلسفة أو تتجدد نشأتها لا بد لها من وجود العلوم".
حل المشكلة: وفي الأخير نخلص إلى أن الإنسان يعتمد في تكوين معرفته وتطوير حياته عن طريق العلم والفلسفة معًا، فلا يوجد تعارض بينهما، فإن كانت الفلسفة تطرح أسئلة فإن العلم يسعى للإجابة عنها، ثم تقوم هي بدورها بفحص هذه الإجابات ونقدها، وهو ما يدفع العلم إلى المزيد من البحث والاكتشاف. وهذا ما دفع هيجل إلى قول قولته الشهيرة: "إن العلوم كانت الأرضية التي قامت عليها الفلسفة، وتجددت عبر العصور".
ذات صلة: هل الإدراك يخضع لعوامل ذاتية أم موضوعية (مقالة جدلية).
اقرأ أيضًا: مقال فلسفي حول المقارنة بين العلم والفلسفة